تشير دراسة عبريّة أكاديمية إلى أن صعود التيارات الإسلامية إلى الحلبة السياسية، ساق جماعات مزعورة من مسيحي الشرق للهجرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وأوضحت أن انسحاب القوات الأميركية من العراق وزيادة نفوذ حزب الله في لبنان، و توريث الجيش المصرى للإسلاميين كل نفوذ الحزب الوطنى الديمقراطى الساقط و تمكينهم لهم من إحكام السيطرة على البرلمان المصري كلها عوامل اجتمعت على تزويد و رفع وتيرة هجرة و فرار المواطنين المسيحيين الشرق اوسطيين من اوطانهم.
فمن القاهرة تتابع مراكز الرصد الاسرائيلية عن كثب و بدقة بالغة ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، وما حملته رياح الربيع العربي في المنطقة، وكان من بين الدراسات التحليلية التي جرت في هذا الصدد، تلك الدراسة التي أعدها البروفيسور الإسرائيلي يارون فريدمان، خريج جامعة السوربون بباريس، ومحاضر العلوم الإسلامية بجامعة الجليل، التى ترى ان أفضل وسائل القياس العلمية الدقيقة التى يمكن من خلالها تقدير قوة ونفوذ الإرهاب الإسلامى في منطقة الشرق الأوسط هو تدوين و توثيق معدلات فرار مسيحيو المنطقة منها
وخلال الآونة الأخيرة، ترددت أصوات شخصيات بارزة في العالم المسيحي مثل البابا بنديكتوس السادس عشر في روما وغيره، تحذر من مطاردة مسيحيي الشرق من قبل التيارات الإرهابية و الراديكالية والإسلام السياسي، الذي حمله الربيع العربي من القاع الى سدة القيادة وجعله السلطة البديلة في المنطقة للانظمة الاسلامية ذات الوجه العصرى التى سقطت ، وفي الحقيقة – كما يقول البروفيسور الإسرائيلي – صعّدت موجة نمو التيار الإسلامي ونفوذه من وتيرة مطاردة المسيحيين وربما طردهم من المنطقة، ولعل ابرز الأدلة على ذلك، زيادة سفور الهجمات الإرهابية على أقباط مصر من قتل و خطف و جباية جزية و إغتصاب و تقطيع اوصال ، بالاضافة للعمليات التخريبية التي استهدفت كنائسهم ودور عبادتهم بعد الربيع العربى ، رغم ان اوضاع تلك الجماعات الوطنية المسيحية لم تكن جيدة قبل الربيع العربى و لكن استهدافها لم يكن سافرا بهذه الدرجة التى اصبح عليها بعد ثورات الربيع العربى فقبل اندلاع موجات التظاهر الشعبي في مصر في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2011، تعرضت كنيسة القديسين في الإسكندرية لهجمة اسلامية تفجيرية أسفرت عن مقتل 24 مصلي مسيحي، وإصابة 97 آخرين، وخلال الحادث تعرض عدد كبير من أقباط المدينة الساحلية وغيرها لإهانات و استباحة و مطاردات و خطف و تنكيل من قبل عناصر راديكالية لم تكن السلطات تهتم بمقاومتها .
وبحسب ما نقلته صحيفة يديعوت احرونوت العبرية يتضح من خلال التحقيقات الصحافية مع عدد من أقطاب الكنيسة القبطية في مصر، انه في أعقاب فوز الأحزاب الإسلامية في انتخابات البرلمان، ارتفع معدل طلبات الهجرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا بين الأقباط.
وتعليقاً على ذلك يقول البروفيسور يارون فريدمان أن رغم ان اوضاع الاقباط لم تكن آمنة فى مصر فى عهدى مبارك و السادات الا انه بعد الربيع العربى صعدت حركات إسلامية مثل الجماعة السلفية، وتنظيم القاعدة، وحركة جهادية أخرى، صعّدت من استهداف المسيحيين، وكان من بين ذلك اغتيال رهبان وإضرام النار في العديد من الكنائس و جباية الجزية من المسيحيين و قتل من يمتنع عن دفعها ".
وطبقاً للدراسة التي أعدها البروفيسور الإسرائيلي، ونشرتها الصحيفة العبرية، بدأت الأقليات المسيحية في منطقة الشرق الأوسط تتقلص، فالمسيحيون العرب يتزايدون في تعدادهم السكاني بشدة و لكن هذا لا يظهر بسبب نزوح الكثير منهم إلى الخارج، على خلفية التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة، كما ضاعف الانسحاب الأميركي من العراق الهجرة السلبية للمسيحيين، والتي بدأت قبل ذلك إبان نظام الحكم البعثي الديكتاتوري.
ورأى البروفيسور الإسرائيلي أن انسحاب القوات الأميركية من العراق ترك مسيحيي بلاد الرافدين بلا غطاء امني، يقيهم هجمات تنظيم القاعدة الإرهابي، أما في لبنان، فأدى تعاظم قوة المنظمة الشيعية المتمثلة في حزب الله إلى ارتفاع معدل هجرة المسيحيين، فالشيعة في بلاد الأرز بحسب وصف الصحيفة العبرية، استغلوا صعود نفوذ حزب الله واعتماداً على الأموال القادمة من إيران في شراء أراض ومنازل تابعة للمسيحيين الذين هاجروا من لبنان.
وفي الأراضي الفلسطينية، تصاعدت موجة هجرة المسيحيين منها بداية من انتفاضة الأقصى الثانية، وشهد عام 2002 ذروة المساس بالرموز المسيحية، عندما إختطف تنظيم حماس الارهابى الفلسطينى اعدادا كبيرة من مسيحيو بيت لحم و اتخذهم كرهائن داخل أقدس المقدسات المسيحية فى العالم قاطبة و هى كنيسة المهد في بيت لحم، و قام التنظيم الارهابى الاسلامى بتدنيس المقدسات المسيحية داخل الكنيسة و تدميرها و اهانة المخطوفين المسيحيين و ضربهم و تهديدهم مما اضطر السلطات الاسرائيلية للسماح للتنظيم بالهرب الى الخارج مقابل اطلاقه لسراح المسيحيين المخطوفين
أما في قطاع غزة فاضطر أغلب مسيحيوه إلى الهجرة منه في أعقاب سيطرة حماس على القطاع حيث فرضت الحركة عليهم احكام اهل الذمة الظالمة الواردة فى احكام الشريعة الاسلامية .
ويرى البروفيسور الإسرائيلي يارون فريدمان أن كافة الأماكن المذكورة سلفاً، شهدت ظواهر قتل واغتيال و خطف و إبتزاز إسلامى لعدد ليس بالقليل من المسيحيين والرهبان، بالإضافة إلى تدنيس عدد كبير من الكنائس وإضرام النار فيها، والحصول بالقوة على "الجزية" التي يفرضها الإسلاميون على المسيحيين، على الرغم من أن الأقباط في مصر والمارونيين في لبنان والأشوريين في العراق وبقية التيارات الأخرى ما هم إلا أهـــل المنطقة الأصليين فيما وفدت بقية مركبات المجتمع عليهم من شبه الجزيرة العربية ابان فترة التوسع الاستيطانى الامبراطورى الاسلامى فى عهد الخلافة الاسلامية.
وفي متابعته لتسلسل الجذور العرقية، المح التقرير إلى انه خلال القرن السابع الميلادي خرج المسلمون من شبه الجزيرة العربية وأقاموا ما وصفه فريدمان بإمبراطورية من البلاد المحتلة احتلالا استيطانيا تبدأ من اسبانيا وحتى إيران، و تدريجيا و عبر مئات السنين من الهجرات القبلية العربية للبلاد المحتلة و المذابح التى تعرض لها اهل البلاد الاصليين تناقصت نسبة اهل البلاد الاصليين فى السكان فيمثل حالياً يمثل اهل تلك البلاد الاصليون المسيحيون أقلية ضعيفة تقدر بـ 30 مليون نسمة من إجمالي 200 مليون عربي، و تزداد الامور سوءا الىن لان معظم المسيحيين يهاجرون خارج منطقة الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي نهاية دراسته، يتساءل فريدمان قائلاً: "هل ستخلو منطقة الشرق الأوسط من المسيحيين، الذين شكلوا معظم سكان المنطقة منذ ما يربو على ألف عام؟"، ويجيب على السؤال: " بالتأكيد يدرك المسلمون ان الاساس الذى من خلاله يمكن تحقق الحلم الراديكالي بإقامة شرق أوسط إسلامي خالص، هـــو ببساطة اغتيال الوجود المسيحي، الذي حصلت المنطقة منه سلفاً على فكرة القومية العربية ، وهى الأيدلوجية عينها التي حطمت فكرة الدولة الاسلامية فى الاربعينات و الخمسينات و الستينات و ها هو الحلم المبريالى الاسلامى الراديكالى يعود يفضل الربيع العربى لينتقم "، بحسب البروفيسور الإسرائيلي يارون فريدمان.